ما بين القرن 19 و20م توافد أكثر من مليار ونصف من الأوروبيين للتعرّف على الوافدين الجدد من إفريقيا، آسيا، أستراليا وأمريكا الجنوبية، وقد رُوِّجَ لهم قبل وصولهم بأنّهم أناسٌ همجيون قادمون من أراضٍ بعيدةٍ. وما بين القرنين تمّ إغراء أكثر من 35000 من السكان الأصليين لعرض طريقة حياتهم، أداء طقوسهم، عاداتهم ورقصاتهم. فتراهم مجتمعين حول لهيب من النّار، ومن وقت لآخر يؤدّون عروضا رسمية، يبدون فيها متوحّشين وشرسين، فيتظاهرون بأنّهم يتقاتلون ويتنازعون باستخدام أسلحة تقليدية. لم يكن يتردّد المسؤولون عن الحدائق بإبعاد الأطفال عن أهلهم إن كان ذلك يتناسب مع جمالية العرض، فيُترَكُ الأطفال في أقفاص لوحدهم. كان ذلك مسليًا جدا للمتفرجين الذين لم يشعروا البتّة بأنّ ذلك لم يتجاوز الاستعراض، بل أخذوها على محمل الجد وصدّقوا بأنّ الوحشية طَبْعُهُم والهمجيّة دَيْدَنُهُمْ. فكان لذلك بالغ الأثر في تشكيل النّظرة الأوروبية تجاه غير الأوروبيين، وزرعِ تصوّر البشرية متطوِّرةً من الهمجية التي تُعْرَضُ عليهم إلى التحضّر الذي يعيشونه. كان النّاس أحيانا لا يكتفون بالنّظر إليهم من بعيد، بل يدخلون ويحاولون لمسهم، وإثارة انتباههم ورؤية ردود أفعالهم نتيجة رميهم بحجارة أو قطع نقدية، تمامًا كما يُفْعَلُ بالقِرَدَة. هذا الأمر ليس في منتهى العجب ولا قمة الغرابة مادام الإنسان وضع في قفصٍ واحدٍ مع حيوان، كما فُعِلَ بالقزم الكونغولي ‘أوتا بنغا’ الذي تقاسم قفصًا مع شيمبانزيه خلال نقله إلى حديقة حيوان ‘برونكس’ بنيويورك عام 1906. بقي ‘أوتا بنغا’ على قيد الحياة عقدا من الزمن، هو فعلا عاش مفردات اللغة العربية بإعجازها، فالحياة قيّدته حقيقة لا
!مجازا، وحينما تأكّد من استحالة عودته إلى موطنه الأصلي قرّر كسر ذلك القيد ووضع نهاية لمأساته، فمات منتحرا
خلال حصار باريس 1870-1871 من قبل جيوش مملكة بروسيا، لم يجد أهل باريس ما يسدّ رمقهم ويسكت جوعهم، فأقْدَمُوا على افتراس الحيوانات التي كانت معروضة، كان آخرها الفيلَيْن ‘كاستور’ و’بوليكس’ ، وبدل تعويضها بحيوانات أخرى، فضّل مسؤول بلدية باريس ملء العاصمة بالحدائق البشرية التي انتشرت بكثافة، مُستقبِلةً في ثمانينات القرن 19م إحدى عشر عنصرا من مجموعات باتاغونيا (منطقة في الشيلي حاليا) ، الذين كانوا بالفعل على وشك الانقراض، فحقّق ذلك أرباحا عظيمة بتهافت النّاس عليهم للتعرّف على لغاتهم وثقافتهم قبل أن تختفي من وجه المعمورة