توفي الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة في منزل العائلة في الجزائر العاصمة عن عمر يناهز 96 عاما وبعد صراع طويل مع المرض
ولد أحمد بن بلة، المعروف بنزعته القومية العربية، في مدينة مغنية قرب الحدود مع المغرب ، غرب الجزائر، في 25 كانون الأول/ديسمبر 1916 وكان أحد المؤسسين البارزين لـ "حزب جبهة التحرير الوطني". تولى بن بلة الرئاسة في الجزائر من عام 1963 لغاية يونو/حزيران 1965 عندما انقلب عليه وزير الدفاع هواري بومدين.
الرئيس بن بلة برفقة فرانسوا هولاند مرشح الحزب الاشتراكي الفرنسي للانتخابات الفرنسية 2012
ارتبطت حياة بن بلة بالنضال السياسي الجزائري خلال الاستعمار الفرنسي، وتأثر كثيرا بأحداث 8 أيار/مايو 1945 التي قتل خلالها مئات الجزائريين بمدن سطيف وقالمة وخراطة (شرق البلاد) على يد الجيش الفرنسي، ما دفعه إلى دخول النضال السياسي لينضم إلى "حزب الشعب الجزائري" ثم بعد ذلك إلى "حركة انتصار الديمقراطية" التي أسسها مسالي حاج، قبل أن ينتخب مستشارا لبلدية مغنية، مسقط رأسه، في عام 1947
في العام 1949، أصبح بن بلة رئيس "المنظمة الخاصة، وهي الذراع العسكري لـ "حركة انتصار الديمقراطية" أسسها محمد بلوزداد في 1944 ومهمتها جمع المساعدات المالية والأسلحة للمناضلن الجزائريين. وكانت عملية بن بلة الأولى مهاجمة مركز بريد وهران في 1949 مع حسين أيت أحمد ورابح بيطاط وهما شخصيتان وطنيتان لعبتا دورا محوريا خلال الثورة الجزائرية
أحمد بن بلة برفقة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في القاهرة 20120222
سجن بلة عدة مرات في عهد الاستعمار ومرة واحدة بعد الاستقلال
ألقت السلطات العسكرية الفرنسية القبض على أحمد بن بلة في 1950 وسجنته لمدة سنتين بالعاصمة قبل أن تحكم عليه مجددا بالسجن سبع سنوات. لكن ابن مغنية نجح في الفرار من السجن في 1952 والتحق بالقاهرة حيث كان يتواجد زعيمان جزائريان آخران هما حسين أيت أحمد ومحمد خيضر.
وفي 1956، سجن بن بلة مرة ثانية في عام 1956 بعد عملية قرصنة جوية نفذها الطيران العسكري الفرنسي ضد الطائرة التي كانت تنقله من المغرب إلى تونس برفقة قادة آخرين لـ "جبهة التحرير الوطني"، بينهم حسين أيت أحمد ورابح بيطاط ومحمد بوضياف ومصطفى لشرف.
أحمد بن بلة عندما ألقت القبض عليه السلطات الفرنسية في وقت الحرب 20120222
مكث بن بلة بالسجن حتى استقلال الجزائر في 1962. وبعد مغادرته السجن، شارك في مؤتمر طرابلس بليبيا الذي تمخض عنه خلاف سياسي كبير بين القادة الثوريين بشأن النظام السياسي الذي ينبغي أن تتبعه الجزائر بعد الاستقلال.
انتخب أحمد بن بلة أول رئيس للجمهورية الجزائرية في 1963 وحكم البلاد لغاية 19 يونيو/حزيران 1965 عندما انقلب عليه وزير الدفاع هواري بومدين. وكانت هذه السنة بمثابة بداية لحياة مظلمة دامت 15 سنة رمي خلالها في السجن. وبعد وفاة هواري بومدين في 1978 ووصول الشاذلي بن جديد إلى سدة الحكم، أطلق سراح بن بلة وهاجر إلى فرنسا حيث أنشأ حزب سياسي يدعى "الحركة الديمقراطية الجزائرية".
بن بلة صديق جمال عبد الناصر وصدام حسين والقذافي
عاد بن بلة إلى الجزائر بعد انتفاضة 5 تشرين الأول/أكتوبر 1988 ضد نظام الرئيس الشاذلي بن جديد، التي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيلا، مستفيدا من الانفتاح السياسي الذي عرفته الجزائر في تلك الفترة والذي سمح بإنشاء أحزاب سياسية معارضة ووسائل إعلام خاصة. وكان في استقبال بن بلة في ميناء الجزائر حشود غفيرة.
أحمد بن بلة مع الرئيس الجزائري الذي انقلب عليه هوراري بومدين 20120222
سعى بن بلة إلى إيجاد مخرجا سياسيا للأزمة التي كانت تعيشها الجزائر بعد إلغاء الجيش الانتخابات التشريعية في 1991 التي فاز فيها حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بأغلبية المقاعد. وشارك في المؤتمر الدولي الذي نظمته كنيسة "سان تي جيديو" بإيطاليا مع عدد من الوجوه السياسية الجزائرية، لكن اللقاء لم يتوصل إلى أية نتيجة ملموسة، بل وجهت له انتقادات لاذعة من قبل المؤسسة العسكرية الجزائرية والأحزاب الديمقراطية التي اتهمته بالوقوف بجانب "الإرهابيين".
ارتبط بن بلة بصداقة عميقة مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر وساند أفكاره القومية إلى درجة أنه فرض على الجزائر نفس النهج السياسي والإيديولوجي الذي كان يتبعه عبد الناصر وشرع الأبواب أمام المدرسين المصريين، كخطوة أولى لتعريب النظام التعليمي الجزائري الذي كان فرانكوفونيا.
كما كان لبن بلة علاقات جيدة مع عدد من القادة العرب الآخرين مثل صدام حسين الذي زاره في العراق مرات عديدة والعقيد الليبي معمر القذافي، إضافة إلى قادة من المعسكر الاشتراكي السابق.