لا تعتبر وجهة النظر التي تعتقد أن مرحلة المراهقة هي على الدوام أو في الأغلب مرحلة اضطراب شعوري ووجهة نظر حديثة، إذ قامت آنا فرويد عام 1958 بتقديم شرح مبسط لوجهة النظر تلك، والتي ترى “أن الاضطراب الذي يمر به المراهقون هو أمر سائد”، ولم يتوقف الأمر على كونه أمرًا سائدًا من وجهة نظر آنا فرويد، بل قالت أيضًا: أن يكون المرء طبيعيًا خلال فترة المراهقة أمر غير طبيعي في حد ذاته، بل تعتبر كذلك أن المراهقين الذين لا يمرون بتلك الاضطرابات في فترة المراهقة معرضين بدرجة كبيرة لخطورة الإصابة بالمشكلات النفسية في سن الرشد. تلك الصورة النمطية والتي تُظهر سنين المراهقة كمرحلة “بشعة وقبيحة”، وتقوم كثير من وسائل الإعلام بتكرار ظهورها وعرضها، إذ إن هناك عشرات الأفلام كما هو معروف، تركز على مأساة المراهقين الذين يعيشون وسط المشكلات، هذا بالإضافة إلى تصدّر بعض الروايات والقصص الأكثر مبيعًا، والتي تتفق مع تلك الصورة السوداوية المُرّة لسنوات المراهقة. إن الكتب والأفلام تركز الصورة على حكايات وقصص المراهقين الذين يعانون من اضطرابات نفسية أكثر بكثير من تركيزها على أولئك المراهقين الأسوياء، حيث أنه من غير الوارد أن يُصنع فيلم يتكلم عن مراهق سوي كقصة مشوقة، بالإضافة أنه لن يحقق إيردات ضخمة، فلا تخلو نماذج المراهقين التي تعرض على الجمهور باستمرار من موقف انحيازي. ولتقييم الادعاءات والمزاعم بأن المراهقة هي فترة تعج بالعواصف والتوترات حقًا، يحتاج الباحثون والمهتمون إلى دراسة ثلاثة محاور من سلوك المراهقين، هي: الصراعات مع الآباء والتقلبات المزاجية والسلوك الخطر، وقد أشار الكتاب إلى أن الدراسات تظهر بأن الزعم القائل: “إن المراهقة هي فترة عواصف وتوترات”، يضم بين طياته جزءًا صغيرًا من الحقيقة، وهي في الأغلب أحد الأسباب التي تقف وراء شهرة ذلك الكتاب. كما أن المراهقين معرضون بدرجة مرتفعة إلى حد ما لخطورة مواجهة صعاب تتعلق بمحاور السلوك الثلاثة السابقة، لذا فمن الصحيح أن فترة المراهقة قد تشهد صراعات نفسية محتدمة لدى “بعض” المراهقين. نلاحظ أن كلمة بعض في الفقرة السابقة من هذا المقال قد وُضعت بين علامتي تنصيص، والسبب أن الدراسات تشير إلى أن عشرين بالمئة “20%” فقط من المراهقين هم من يمرون ويعانون من اضطرابات وتوترات نفسية ملحوظة، غير أن الغالبية العظمي منهم يتمتعون بحالة مزاجية جيدة وعلاقات متوائمة ومنسجمة مع آبائهم وأقرانهم وأقاربهم، بالإضافة إلى ذلك كله، فإن تلك الاضطرابات والتوترات النفسية الملحوظة والصراعات مع الآباء على الأغلب تقتصر بدرجة كبيرة على المراهقين الذين يعانون من مشكلات نفسية واضحة مثل الاكتئاب واضطراب السلوك. النتيجة أنه لا توجد أسس قوية تؤيد الادعاء الذي يقول أن القلق الذي يرافق مرحلة المراهقة ما هو إلا أمر طبيعي أو حتمي، بل أنه على العكس تمامًا فإن حدوث ذلك هو الاستثناء وليس القاعدة، علاوة على ذلك لم تجد الدراسة التي تتبعت ثلاثة وسبعون مراهقًا من الذكور على مدار أربعة وثلاثين عامًا، أي دليل ولو كان ضعيفًا على أن المراهقين الذين يتكيفون بسهولة وسلاسة مع هذه الفترة، يكونون معرضين لخطورة الإصابة بالمشكلات النفسية فيما بعد. نضيف إلى ذلك أن المعلومات التي تأتي من الثقافات الأخرى في مجتمعات غير غربية، تتعارض وتخالف هذا المفهوم السلبي عن تلك المرحلة، ففي اليابان على سبيل المثال يصف ثمانون إلى تسعين بالمئة من المراهقين حياتهم الأسرية على أنها مرحة أو محببة ومتوازنة، ويقولون أنهم يتمتعون بعلاقات طيبة مع آبائهم، ولم تسجل أي اضطرابات خطيرة ملحوظة بمرحلة المراهقة كذلك في الهند. هل تمثل تلك الخرافات أي خطر أو تحدث أي ضرر؟ بالتأكيد قد تتسب تلك الخرافات بأضرار بالغة، فلربما تقود تلك الاعتقادات إلى تجاهل بعضًا من المشكلات الحقيقية، والتي قد يعاني المراهقون منها على اعتبار أنها “مرحلة عابرة”، أو بوصفها على أنها شيء حتمي كما زعم الكثير من الأطباء النفسيين والدارسين المختصين، إن هذا الأمر من شأنه أن يتسبب في حالة من الانزعاج الشديد لدى البالغين الذين لا يتلقون أيّ مساعدة نفسية، وهم حقيقةً في أشد الحاجة إليها. إن سن “المراهقة” من أكثر المراحل التي قد تمر على الإنسان صعوبة، ويعدّها بعض المختصين سن فوضى ولامبالاة وهي مرحلة الثورة ولربما تكون هي بداية الضياع، إذ أنها أكبر مرحلة انتقالية قد يعيشها الإنسان، ويبين المختصون أنه في هذه المرحلة نجد هناك انجذابًا من كل جنس للجنس الآخر، وكما نرى ونشهد تمرُّدًا على السلطة بكافة أشكالها وصورها، وتصبح الرغبة في الاستقلال بالرأي ملحوظة بشكل كبير، وكذلك التحرُّر من قيود الأسرة، واللجوء إلى الأصدقاء، وكما يبدأ التفكير وربما التشكيك في كل شيء. المراهقة في ذاتها لا علاقة لها بحالات الاكتئاب أو الاضطرابات النفسية، غير أن الأمر يتعلق بما يمر به المراهقون من ضغوط مباشرة في الحياة اليومية، سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع بشكل عام؛ لذا بات من الضروري أن نضع في الاعتبار أن المراهق حين يتعرض لاضطرابات وتوترات، فهذا لا يعني أن الأمر من لوازم سيكولوجية مرحلة المراهقة، ولكن هذا يحيلنا إلى تخمين أسباب فعلية قادتهم إلى هذه الاضطرابات، حينها لا بد أن ندرك أنهم في حاجة إلى دعم معنوي ووضع مشاكلهم في بؤرة اهتمامنا. إنه أمر في غاية الخطورة أن نسلم عقولنا للإعلام وما يُنشر فيه بشكل يومي، وما يحمل بين طياته من مغالطات وخرافات وادعاءات ليس عليها أي أدلة قوية تؤيدها، إذ أن اتهام مرحلة البلوغ في التأثير على سلوك المراهقين وشخصياتهم أصبح أمرًا مشكوكًا فيه، وخاصةً بعد أن خرج علينا العالم الأمريكي “بول ماثيو”، أستاذ مساعد في قسم علم النفس بجامعة بافالو، مؤكدًا أنه لا يمكن إلقاء اللوم على الهرمونات فيما يحدث للمراهق من تغيّرات في السلوك؛ ولأن البلوغ والمراهقة يتصادف حدوثهما في الفترة الزمنية نفسها من العمر، فلم يكن متاحًا من قبل الإجابة عن التساؤل الخاص بهرمونات البلوغ ومدى مسؤوليتها عن تغيّر سلوك المراهقين.